يتخذ الاتحاد الأمريكي للطب شعارا يتكون من عصا يلتف حولها ثعبان وفوقها ثلاث دوائر متداخلة، وهذه العصا هي رمز الطب بينما ترمز الدوائر الثلاث إلى الجسم والعقل والروح وهي المكونات الثلاثة للإنسان، والعقل هو مفتاح الشفاء الذاتي ولكننا لا نعلم إلا القليل عن خواص التفاعلات بين الجسم والعقل والروح، ولأن العلم الحالي يتميز بالماديات فأنه لا يساعدنا كثيرا لأنه يرفض إمكانية وجود سبب غير مادي لمرض مادي برغم أن العلم قد يشاركنا في فلسفة الصحة والطب ولكنه يتساءل: أية نصيحة عملية يستطيع أن يقدمها الطبيب للمريض حول التعجيل بإمكانية الشفاء من خلل استخدام الطرق الذهنية والروحية؟
وأعلم أخي القارئ الكريم أن للعقل أربعة نشاطات يقوم بها وعليها هي: الإيمان والخيال العقلي والفكر والعاطفة:
الإيمان: ثبت أن الاعتقاد في المعالجين وتوصيف الأدوية العلاجية هو الأساس للاستجابات المرضية لدى المرضى، وللإيمان أيضاً أثر قوي على الإدراك والقدرة على الفهم حيث يحدد ما ندركه وما لا ندركه في رحلتنا في هذه الحياة.. بمعنى أن الإيمان بالشيء أنه موجود والثقة الكاملة في ذلك هو الذي يجعلنا ننجح وبدونه لا توجد فرصة للنجاح، كذلك الشفاء أن لم يؤمن المريض بالشفاء فستكون نتيجة تحقيقه ضئيلة، لذلك نحن نهتم بما يكون أن يفعله المريض كي يزيد من إيمانه بالشفاء:-
وإحدى الطرق التي ينصح بها معالجو العصر الجديد بزيادة الإيمان هي أن يكرر المريض عبارات تساعده على الاقتناع بالشفاء مثل (أن جسدي يمكن أن يعالج نفسه) أو (إنني ممتلئ بالطاقة الشفائية) ويلاحظ أن المقصود بتكرار مثل هذه العبارات هو التكرار الذهني وليس اللفظي.. أي أن يقول ذلك داخليا بعقله وقلبه، كما ننصح المرضى أن يبحثوا عن أولئك الذين جربوا الشفاء ويحصلوا منهم على النصيحة العملية.
وهنا مثال لمريضه جاءت لأحد المعالجين بأسلوب الشفاء الذاتي بالعقل والروح.. حضرت هذه المريضة وكانت تشكو من ورم ليفي كبير في الرحم في حجم ثمرة العنب وكان عمرها تسعا وأربعين سنة ومتزوجة وكانت تتابع حالتها مع طبيب متخصص في أمراض النساء الذي أخبرها أنه يحب أن يجري لها عملية جراحية للاستئصال الرحم، وكان الورم يتعبها بدرجة كبيرة، ويسبب فترات ألم وغزارة شديدة في الطمث، وكانت لا ترغب في إزالة رحمها وجاءت لهذا المعالج آملة في البحث عن بديل لهذه العملية الجراحية فأخبرها بأن مع اقترابها من فترة سن اليأس يمكن لها تنتظر حتى ينخفض مستوى هرمون الاستروجين لديها حيث أن أورام الرحم الليفية تتغذى على الاستروجين وعادة ما تنكمش مع توقف الطمث وأحيانا ما تزول تماما، كما نصحها بأخذ دواء عشبي، وبتغير نظام الغذاء حتى تقلل إلى أقصى حد من الأغذية التي تنشط الاستروجين.. وأوصاها بالقيام بتمارين بدنية تقوي جهاز التنفس والدورة الدموية، حتى تقلل من مستوى الاستروجين وأن تمارس علاجا تخيليا كي يجعل المؤثرات العقلية تكبح جماح الورم.
أبدت المريضة استعدادها بتجربة العلاج ولكن دون اقتناعها بإمكانية تقلص الورم وكان هناك مريضة بنفس هذا المرض قد تم شفائها بأسلوب الشفاء الذاتي بالعقل والروح.. فقابلها المعالج بالمريضة الجديدة حيث حكت لها تجربتها مع نفس مرضها والتي جاءت بالنجاح والشفاء والفضل يرجع لاقتناعها بالشفاء وأن الورم سيتوقف وينتهي، وكانت تحكي لها وهي في أشد الفرحة بهذه النتيجة..
وبعد أن سمعت المريضة الجديدة الشفائية الناجحة اقتنعت ورفضت العملية الجراحية وقبلت الدخول في برنامج الشفاء الذاتي وتم شفائها والحمد لله.. ولهذا لا أظن أن هناك طريقة أفضل لتسهيل الشفاء من صحبة الأشخاص الذين جربوا الشفاء.
التفكير: والمقصود بالتفكير هنا أن المريض يجب أن لا يفكر في أفكار مزعجة سلبية تقلقه وتعكر مزاجه.. وإذا ما وقع في هذا التفكير عليه الانتباه فورا ويمكنه الفصل بين الانتباه والتفكير ويمكن التوصل إلى ذلك بأن يركز على الاحساسات الجسدية بدلا من التفكير. فهناك ميزة كبيرة للأجسام أنها ثابتة في المكان والوقت بينما التفكير يسبح في الماضي والمستقبل وربما يكون فيهما ما يزعج المريض، وعندما نركز الانتباه على الاحساسات الجسدية فإن الانتباه يكون في الواقع موجود فينتبه المريض إلى جسده فقط..
مثلا يركز تفكيره في استرخاء عضلاته.. ويوحي لنفسه من الداخل (أنا أسترخي عضلات جسدية) ويمرن نفسه على ذلك قبل النوم، وكذلك التنفس فهو أكثر شيء طبيعي ومدرك بالحواس يمكن للمريض التأمل فيه وهو أفضل وسيلة لتركيز الانتباه والخروج من التفكير المزعج، والتأمل أيضا وسيلة لكسر التفكير أي أنه في جوهره تركيز موجه فحينما تجلس وتحاول أن تبقي على تركيزك في شيء معين مثل التنفس أو الاحساسات الجسدية أو صورة بصرية فأنك تتعلم التحكم في التركيز وإبقائه في مكان واحد وبذلك تخرج من دوامة التفكير.
الخيال العقلي: ونعني به التصور الذهني.. اكتشف أن هناك علاقة خاصة بين المنطقة الخاصة بالإبصار في المخ ونظام الشفاء، حيث أن جزءاً كبير من القشرة الدماغية مخصص للرؤية، وهذا الجزء من المخ الذي يقع في منطقة خلف الرأس يشغل نفسه غالبا بمعالجة المعلومات القادمة من شبكة العين ولكن حينما يتحرر من هذه المهمة ويتحرك إلى داخل الجسم فإنه يصبح أحد أهم قنوات الاتصال بين الجسم والعقل، وأنه يمكن أن يوصل العقل والإرادة بمراكز التحكم في الجهاز العصبي الذاتي، ويمكن أيضا أن يحفز الشفاء الذاتي.
وبالتالي فإن الإنسان إذا قام بتدريب وتوظيف الخيال العقلي في عملية الشفاء بالتخيل فإنه سيجني ثماراً شفائية، فعندما يوحي ويتخيل الإنسان بأنه مرضه قد شفي.. أو يتم الآن شفاءه، فذلك يساعده كثيراً على الشفاء..
فنحن نرى أن الإنسان لو تخيل صورة جنسية فإن ذلك يثير عنده الإحساس بذلك ويحرك عنده أعضائه رغم أنه لا يرى صورة حقيقية تثير عنده هذه الغريزة.
وكذلك الحب والشعور قد يضفي على الإنسان شيء من الأمان والراحة أن كان هذا الحب يمثل في أعماقه الأمن.. وكما يتخيل الإنسان الغذاء فيسيل لعابه .. أو الجنس فتثير حواسه.. أو الحب فيشعر بالاطمئنان.. فكذلك الشفاء كما يفعل الإنسان في هذه الأمور ويتخيلها ويشعر بها، فمن المفيد أن يدرب نفسه على التخيل للشفاء وتنشيط أجهزة الشفاء عنده، بل ربما يسمح بظهور قدرات جديدة كامنة لديه في نظام الجينات.
وأنت يمكنك أن تمارس التخيل العقلي للتأثير على جسمك عن طريق أحلام اليقظة الواعية والمقصودة ومن خلال الانتباه إلى الاستجابات العاطفية التي تثيرها بعض الصور.. حاول استخدام التصور للإسراع بعلاج بعض الأمراض الخفيفة مثل الجروح والتهاب الحلق على سبيل المثال فإذا نجحت في هذا يمكنك بعد ذلك استخدامه في الأمراض الخطيرة.
العاطفة: كثيرا من المتخصصين الذين يؤيدون التأمل يوصون الناس أن تكون لهم سيطرة على انفعالاتهم وأن يتخلصوا من التقلبات المزاجية والعيش بمزاج معتدل.. قد تكون هذه النصيحة مفيدة لبعض الناس وعندما أرى بعض المرضى الذين يعانون من عدم توازن في حياتهم واضطراب في مستويات طاقتهم ويأكلون بطريقة خاطئة أو أولئك الذين يعانون من عدم استقرار علاقاتهم فأنني أوصيهم بتمرينات التنفس والتأمل كطريقة لاستعادة التوازن، ولكنني عندما أنظر إلى دور العواطف في تسهيل عملية الشفاء الذاتي أفكر في أنه قد يكون من الأنفع أن تحث المرضى على أن ينمو العاطفة كما أشرنا في التخيل العقلي ولا يهم ما إذا كانت العاطفة التي يشعرون بها إيجابية أو سلبية، بل المهم هو شدة الشعور الذي يعطي القوة على التأثير على وظائف الجسم وأن فتور المشاعر قد يقف حجر عثرة يعوق الشفاء الذاتي أكثر مما تعوقه المشاعر السلبية.
وإذا كان التنفس هو حركة الروح في الجسم وهو سر كبير يصلنا بالخلق كله فإن التعامل مع التنفس يعتبر تدريبا روحيا، وهو تدريب له أثره على الصحة والشفاء لأن طريقة التنفس تعكس حالة الجهاز العصبي وتؤثر أيضا على حالته، ويمكنك أن تتعلم تنظيم ضربات القلب وضغط الدم والجهاز الدوري والهضمي عن طريق تغيير رقم وعمق التنفس وكذلك تنظيم عمل نظام الشفاء بنفس الطريقة.
وإليك بعض الطرق البسيطة لذلك رغم أن كل طريقة لا تستغرق إلا دقائق فإنك لن تكتشف إلا بعد أن تمارسها بانتظام ويوميا:
أولاً: راقب التنفس: أجلس في وضع يريحك وأغمض عينيك وفك ملابسك المحكمة ثم ركز انتباهك على تنفسك دون أن تحاول أن تؤثر عليه بأي طريقة، تتبع الشهيق والزفير، وحاول معرفة ما إذا كنت تستطيع إدراك مواقع الالتقاء حيث يبدأ أحدهما وينتهي الآخر، أفعل ذلك لبضع دقائق على الأقل وهدفك هو أن تحتفظ بانتباهك لدورة التنفس ومراقبتها وبغض النظر عن تغيرات التنفس وحتى إذا كان الفرق بين الزفير والشهيق ضئيل فما عليك إلا أن تتابعها وهذه طريقة بسيطة للاسترخاء والتنسيق بين الجسم والعقل والروح.
ثانياً: من المعروف أن التنفس يبدأ بشهيق ولكننا في هذا التمرين نبدأه بالزفير.. ركز انتباهك لمدة ثانية على التنفس وأنت جالس مستلقيا ودع التنفس يأتي من تلقاء نفسه.. لا تحاول أن تغير فيه شيء.. جرب الآن أن تبدأ بالزفير وخذ نفس عميق، وأفضل طريقة لبدأ التنفس بالزفير هي أن تفكر أن الزفير هو الجزء الأول من دورة التنفس، وأن لا تشغل بالك أن تبدأ بالشهيق والسبب في بدايتك بالزفير أن يكون نفس عميق هو أنك تستطيع التحكم بدرجة أكبر في العضلات الإرادية الموجودة بين الضلوع وهذا يجعلها تضغط الهواء خارج الرئتين، وهذه العضلات أقوى بكثير من العضلات المستخدمة في الشهيق وحين تدفع هواء أكثر خارج الرئة فإن الهواء الذي يدخل سيزيد تلقائيا.
ثالثاً: الرقود على الظهر قبل نومك أو بعد استيقاظك وأغلق عينيك ودع ذراعيك يمتدان إلى جوار جسمك.. ركز انتباهك على التنفس دون أن تحاول التأثير عليه.. الآن تخيل أن الكون كله ينفخ فيك النفس مع الشهيق، ثم يسحبه منك عند الزفير.. فأنت إذن المتلقي السلبي للتنفس وفي أثناء تنفس الكون لك دع نفسك تشعر باختراق التنفس لكل جزء من أجزاء جسمك وحاول أن تستمر في إدراك هذا لمدة عشرة دورات من الشهيق والزفير وعليك استخدام الطرق الثلاث مع بعض ...